أهلاً وسهلاً
بحضورك أشرقت الدار
وبانضمامك الينا
سعدنا كثير وغمرتنا الفرحة
وكلنا شوق لاطلالتك علينا
كل يوم
بحضورك البهي
وما سيجود فيه قلمك
من همسات ومشاركات
فقد تهيئت قلوبنا قبل صفحات منتدانا
لاستقبال عبق حروفك
وبوح قلمك
وتقبل امنياتي بقضاء أجمل وأسعد الأوقات
وأكثرها فائدة لنا ولك
وأهلاً وسهلاً
أهلاً وسهلاً
بحضورك أشرقت الدار
وبانضمامك الينا
سعدنا كثير وغمرتنا الفرحة
وكلنا شوق لاطلالتك علينا
كل يوم
بحضورك البهي
وما سيجود فيه قلمك
من همسات ومشاركات
فقد تهيئت قلوبنا قبل صفحات منتدانا
لاستقبال عبق حروفك
وبوح قلمك
وتقبل امنياتي بقضاء أجمل وأسعد الأوقات
وأكثرها فائدة لنا ولك
وأهلاً وسهلاً
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اللمة الجزائرية :: تعرف على الجزائر من أهلها جزائري : منتدى ثقافى ، سياحي ، تعليمي ، نقاشي ، تطويري ، برمجي ، رياضي ، ترفيهي ، سياسي متخصص بالشوؤن الأسرة.
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولكل القونين المنتدى

 

 قراءة في شعر درويش

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اميرة الورد
المـديـر العـــام
المـديـر العـــام
اميرة الورد


عدد المشركات : 2601
مستواك : 1672
معدل اليومي :: : 34
تاريخ التسجيل: : 05/01/2010
العمر : 35
الموقع : تلمسان

قراءة في شعر درويش Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في شعر درويش   قراءة في شعر درويش I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 20, 2010 7:30 am

الجامعة الأردنية / قسم اللغة العربية
الورقة التي ستلقى في مؤتمر : "مناهج الدراسات الأدبية واللغوية"
الشاعر وصياغات نصه : محمود درويش مثالاً في 16/5/2001
قراءة الأدب قراءة تكوينية
د. عادل الأسطة

قال أحد الشعراء العرب القدامى مُفصحاً عن الطريقة التي يكتب بها نصه الشعري :
نثقفها حتى تلين متونُها

فيقصُرُ عنها كلُّ ما يُتَمثَّلُ


وهو ، في قوله هذا ، يحيلنا إلى شعر الصنعة وشعراء الحوليات ، هؤلاء الذين كانوا ينفقون عاماً كاملاَ في بناء القصيدة قبل أن يقرأوها على جمهور المستمعين في الأسواق أو في المناسبات .

والذي قرأ الشعر العربي أو درسه ، والذي حقق دواوين الشعراء ، يعرف نصوصاً لها صياغات عديدة ، كما يعرف تداخل بعض الأبيات في قصائد شعراء مختلفين ، ولربما تجدر الإشارة هنا إلى لامية العرب للشنفري وإلى صياغاتها العديدة من حيث ترتيب أبياتها ، ولربما تجدر الإشارة أيضاً إلى البيت المشهور :
وقوفاً بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسىً وتجمّل


حيث ورد في معلقة ما ، معلقة أخرى :
وقوفاً بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسىً وتجلدّ


وغير خاف أن هذه الصياغات المختلفة ، وهذه التداخلات أيضاً ، إنما تعود إلى طبيعة العصر وطبيعة تناقل الشعر . كان الشعر يروى مشافهة ، وكان الرواة ، أحياناً ، ينسون رواية البيت الأول فيغيرون ويبدلون ، وقد يغيرون ويبدلون إذا لم ترق لهم هذه المفردة أو تلك . ولكن ما ينبغي ألا يغيب عن الذهن أيضاً أن الشعراء أنفسهم كانوا يقرأون قصيدتهم الواحدة في مناسبات مختلفة وأمام جمهور مختلف ، ولربما غيروا هم أنفسهم في روايتهم ، لأنهم رأوا بعض الهنات في الصياغة السابقة . كل هذا وارد ، وهذا ما يلحظه المرء في دواوين الشعراء التي حققها معاصرون ممن اهتموا بالتراث . ولا أعرف شخصياً ، وربما يعود هذا إلى نقص إطلاعي ، لا أعرف إن كانت هناك دراسات معمقة أنجزت عن اختلاف الروايات وعن التغييرات التي أجراها الشعراء على نصوصهم . أمَرَدّ تلك التغييرات أسباب سياسية أم أسباب اجتماعية أم أسباب جمالية ؟ إن بيت الشعر الذي صدرت به هذه الورقة يحيل إلى التغييرات ذات البعد الجمالي ، فالشاعر يريد لنصه أن يكون متيناً ، ويريد له أن يبلغ القيمة الجمالية المنشودة في ذلك العصر ، وربما أكثر من تلك القيمة المنشودة . لكأن القصيدة لصاحبها مثل القوس لصاحبه ، عليه أن يهتم بها لأنها ستحقق له مكانة معتبرة ، ولئن كان الشاعر – أو بعض الشعراء – يبيعون قصائدهم إلا أنهم يدركون أنها ستظل تحمل اسمهم ، وهم بذلك يختلفون عن القائل :
أبيتَ اللعن إنَّ سكاب علق

نفيس لا تُعار ولا تباع


وأياً كان الأمر ، فإن ما قاله الشاعر عن قصيدته يفصح عن طريقة كتابة القصيدة والأطوار التي تمر بها حتى تصل إلى ما تصل إليه ، وما ينقصنا هنا صيغة القصيدة الأولى لأن الشاعر ما كان يذيع قصيدته إلا بعد اكتمالها ، وعليه فإن دراسة القصيدة في صياغاتها العديدة قد تبدو أمراً صعباً ، وهذا ما يحققه لنا العصر الحديث الذي قرأنا فيه القصيدة في المجلة أو في الجريدة ، ثم قرأناها ثانية ، وربما ثالثة ، في مجموعة شعرية لصاحبها ، وهنا يمكن أن نقرأ غير صياغة للنص ، هذا إذا أعاد الشاعر صياغة نصه ، وهذا ما يفعله ، عموماً ، بعض الشعراء .

وقد التفت الدارسون الأوروبيون في القرن التاسع عشر إلى هذا الجانب لدى بعض الكتاب الذي كانوا يجرون تعديلات على نصوصهم قبل نشرها وبعد نشرها ، فبعض الكتاب يكتب النص كذا مرة ويحتفظ بمسودات نصه كلها ، وقد ينشر نصه ثم تتاح له الفرصة لينشره من جديد ، وهذا قد يدفعه إلى إدخال تعديلات عليه ، هنا وهناك ، وهذه التعديلات قد تعود إلى رؤيته الجديدة ، وقد تعود إلى قراءته للملاحظات التي سمعها أو قرأها بعد نشر النص في طبعته الأولى .

وقد أطلق الدارسون الأوروبيون على طريقة النقاد في تعاملهم مع نص الأديب في صياغاته العديدة ، منذ لحظة التكون حتى آخر صيغة ظهر فيها ، المنهج التكويني في النقد . ولربما وجب التوقف أمام دراسة (بيير – مارك دو بيازي) التي عنوانها "النقد التكويني" ، وقد نقلت هذه الدراسة إلى العربية ونشرت في العام 1997 في كتاب مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة ، وقد صدر الكتاب عن سلسلة عالم المعرفة وحمل الرقم 221 . وتقع الدراسة في ثلاث وأربعين صفحة (ص15-ص58) .

لا يكتفي الدارس في دراسته بالكتابة عن المخطوط الجديد والمفهوم الجديد له أيضاً ، وإنما يأتي على مراحل تكون العمل الأدبي الأربع : مرحلة ما قبل الكتابة ، مرحلة الكتابة ، مرحلة ما قبل الطباعة ، مرحلة الطباعة . ثم يتوقف أمام السؤال التالي : كيف يدرس تكون العمل الأدبي ؟ ويربط بين تكون العمل الأدبي والتحليل النفسي . وبين تكون العمل الأدبي والشعرية ، وبين التكوينية واللسانية ، وبين تكون العمل الأدبي والنقد الاجتماعي .

ولأن الخوض في هذه القضايا سيحيل إلى الكتاب وإلى ما كتب فيه فلن أتعرض إلى ذلك ، وإن كنت سأفيد في أثناء التطبيق مما بقي في ذهني بعد القراءة ، وسأكتفي بالإشارة إلى المثال الذي استشهد الكاتب به في أثناء دراسة النقاد الأوروبيين نصوص بعض الأدباء وفق المنهج التكويني . لقد أتى المؤلف على (بلزاك) ونصوصه ، كما أتى أيضاً على بعض كتابات (فلوبير) وبخاصة حكاية "قصة القديس جوليان" وقال عن هذه :
"وهناك في أرشيف المكتبة الوطنية بباريس رزمة من الأوراق تعود إلى الحالة ما قبل البدئية لمشروع عام 1856 ، ورزمة أخرى تعود إلى الحالة البدئية للمشروع أعاد فيها الكاتب تحديد مشروعه عام 1875 . إن المخططات ليست ذاتها ، وحتى الكتابة تبدو مختلفة (لدرجة أن هناك من اعتقد ، وحتى وقت قريب ، بأن الرزمة الأولى لم تكن مكتوبة بخط فلوبير) ، غير أن المشروع هو ذاته الذي يطفو على السطح من جديد لكي يؤدي إلى مرحلة القرار" .

وقال عن بلزاك :
"والصفحة الواحدة – عند روائي مثل بلزاك أو فلوبير – قد تعاد كتابتها بين خمس وعشر مرات ، قبل أن تبلغ الحالة التي يرضى عنها الكاتب" .

وقد التفت بعض الدارسين العرب المعاصرين إلى صياغات الشاعر نصّه وحاولوا أن يعللوا التغيرات وأن يبرروها . وسأكتفي ، هنا ، بالإشارة إلى دراستين ؛ الأولى هي دراسة الدكتور يوسف نوفل "ديوان الشعر في الأدب العربي الحديث" (1978) ، وفيها يقف صاحبها أمام قصيدة "البلبل" للشاعر فهد العسكر ، ويقارن بين صيغتها في الديوان وصيغتها كما ظهرت على صفحات مجلة "الكتاب" المصرية ، ويلاحظ الدكتور نوفل أن هناك تغيراً في بعض الألفاظ ، وتغيراً أيضاً في ترتيب شطري البيت الواحد ، وقد عزا ذلك إلى تغيرات فنية جمالية لغوية فقط . والثانية تلك التي أنجزها حاتم الصكر تحت عنوان "صياغات أدونيس النهائية" ، وفيها تتبع الصكر أعمال أدونيس الكاملة وقارن النصوص في صيغتها الأولى وصيغتها النهائية ، ولاحظ أن أدونيس ينقح ، باستمرار ، قصائده ودواوينه قبل دفعها للنشر أو إعادة طباعتها "إن الحذف والتنقيح يتمان لمنح النص مزيداً من التوهج … من التعمق والتأمل" يقول أدونيس . ولا يكتفي الصكر برأي أدونيس هذا ، ويقدم اجتهاده الخاص حيث يرى أن الشاعر "لا يفعل ما يفعله استجابة لدوافع فنية فقط بل يستجيب لضغوط جمالية ، تكونها تصوراته عن تلقي نصوصه وفق المتغيرات … لقد تفحصت الأعمال الشعرية الكاملة فلاحظت أن الشاعر يجري تغييرات (أساسية وأخرى ثانوية) على أعماله" .

ويفهم من النتيجة التي خلص إليها الدارسان أن أسباب التغيير تتعلق بنواحٍ جمالية ولغوية وفنية ، وأن مرد ذلك ، لدى أدونيس ، تلقي نصوصه وفق المتغيرات – أي كيف استجاب الآخرون ، نقاداً ومستمعين ، إلى نصوصه وانعكاس ذلك عليه سلباً أو إيجاباً ؟!

وما توصل إليه نوفل والصكر ، وما قاله أدونيس ، يلتقي وبعض ما ذهب إليه (بييير – مارك دو بيازي) الذي ربط بين تكون النص الأدبي والشعرية واللسانية .

سوف أتوقف ، الآن ، أمام محمود درويش وصياغات نصه بقدر من التفصيل ، وذلك لانشغالي ، منذ سنوات ، بهذا الجانب في مسيرته الشعرية .

يلفت النظر ، في أثناء الاطلاع على نصوص درويش في مظانها المختلفة ، أن الشاعر تخلى عن مجموعات شعرية كاملة وعن قصائد بعينها نشرت في صحف ومجلات ولم يدرجها في أعماله الكاملة أو في مجموعاته الشعرية ، وأنه استبدل مفردات بأخرى ، وأنه حذف بعض الأسطر أو المقاطع ، وأنه أعاد صياغة بعض القصائد من جديد حيث بدت في صيغتها الثانية مختلفة كلياً عن صيغتها الأولى ، وإن ظلت ذات صلة بها . وسأغض النظر هنا عن إقدام بعض الناشرين على نشر بعض كتب الشاعر ، بعد أن حذفوا منها ما حذفوا لأسباب عديدة ، من ذلك مثلاً ما قام به الناشر يعقوب حجازي ، حيث أعاد طباعة كتاب درويش النثري" يوميات الحزن العادي" ، ولعلّ الكتاب في طبعتيه يكون أيضاً موضع دراسة . ما الذي حذفه الناشر ولماذا ؟

وسأغض الطرف هنا أيضاً عن القصائد التي لم يدرجها الشاعر في أعماله الكاملة وعن المجموعات التي تخلى عنها ، لأنني اخترت عنوان "الشاعر وصياغات نصه" لا عنوان "ظاهرة الحذف والتغيير والإضافة" – وإن كنت أنجزت ثلاث دراسات مطولة تحت هذا العنوان - .

صياغات الشاعر نصه :

سوف أتوقف هنا أمام ثلاث ظواهر :
- استبدال مفردات بأخرى .
- حذف عبارات وأسطر شعرية .
- إعادة صياغة النص من جديد .

وأشير ، ابتداءً ، إلى أن الشاعر توقف مراراً أمام هذه الظاهرة وحاول تقديم مبرراته الخاصة ، وهي مبررات غير تلك التي أبداها بعض دارسيه . في مقدمة "ديوان محمود درويش" التي تصدرت الطبعة السادسة (1987) نقرأ ما يلي بقلم درويش نفسه :
"وماذا أريد أن أقول أيضاً ؟ إنني أرغب في تكرار كلمات كتبتها للطبعة الثالثة : "لا أخجل من طفولتي الشعرية ، ولكن الطفولة شيء والمراهقة شيء آخر ، وهذا هو المبرر الوحيد لإقدامي على قطع بعض أجزاء من جسدي الشعري" .
لم يقتطع درويش أجزاء من جسده الشعري وحسب ، لقد أقدم على استبدال مفردات بأخرى لأسباب دينية وأخرى سياسية ، وأشار إلى ذلك فيما يتعلق بالجانب الثاني :
"لقد ركز البعض على عبارة معاهدة الصلح .. وأول تلك المعاهدة المتصلة بسقوط غرناطة معتبراً إياها موقفاً مني ضد مفاوضات السلام ، لقد آلمني ذلك كثيراً ، إذ لا يمكن لي أن أتعامل مع المفاوضات من خلال الكتابة عن غرناطة …" .
وذهب ، فيما بعد ، إلى أنه يحذف أحياناً بعض مقاطع أو يستبعد بعض قصائد لأنه يرغب في أن يخلص الشعر مما ليس شعراً ، وتحديداً من السياسية . غير أن دارسي درويش لهم وجهة نظر أخرى ، وإن كانوا أحياناً يذهبون مع الشاعر فيما يذهب إليه ، لقد اقتطع الشاعر بعض أجزاء من جسده الشعري لأنها لم تعد تناسب موقفه الجديد الذي نجم عن تغيير موقعه ، أو لأنها تسبب له حرجاً مع جهات سياسية يحرص درويش على أن يبقي معها شعرة معاوية .

استبدل درويش مفردات بأخرى ، كما في مديح الظل العالي ، فقوله في صياغة النص الأول :
الله أكبر
هذه آياتنا
باسم الفدائي الذي خلقا
من جزمة أفقاً
غدا في الصياغة الثانية :
"الله أكبر / هذه آياتنا
باسم الفدائي الذي خلقا
من جرحه شفقا"
وقول درويش في قصيدة "أحد عشر كوكبا على آخر المشهد الأندلسي" :
"يتلو علينا معاهدة الصلح يا ملك الاحتضار"
و"فلماذا تطيل التفاوض يا ملك الاحتضار"
غدا في الصياغة الثانية :
"يتلو معاهدة اليأس يا ملك الاحتضار"
و"فلماذا تطيل النهاية يا ملك الاحتضار" .

ولعل سبب التغيير الأول أن الشاعر الذي كتب نصه في لحظة غضب وانفعال ، لحظة خاطب فيها الذات العليا قائلاً : "جربناك / جربناك / من أعطاك هذا اللغز / من أعلاك فوق جراحنا" لعل الشاعر عاد ، في لحظة ابتعاد عن سخونة الحدث ، إلى نصه واستكثر ما كتب "باسم الفدائي الذي خلقا / من جزمة أفقا" وهكذا عدل عن هذه الصيغة إلى صيغة أخرى .
ولعل سبب التغيير الثاني يكمن في رغبته عدم إثارة رموز سياسية فلسطينية بلغها أنها المقصودة في النص ، إذ كانت المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ما زالت جارية .

لم يقتصر درويش على استبدال مفردات بأخرى ، وإنما أسقط مفردات وجملاً دالة ، كما أسقط مقاطع كاملة من قصائد . أسقط من قصيدته "بطاقة هوية" كلمة كان يعتز بها يوم كتب القصيدة . لقد افتخر الشاعر بأنه من قرية عزلاء منسية يحب رجالها الشيوعية ، وكان هذا يوم كان شيوعياً ، فلما ترك الحزب وغادر حيفا أسقط المفردة . وأسقط من قصيدته "نشيد إلى الأخضر" ، وهي قصيدة كتبها إبان الحرب الأهلية في لبنان ، أسقط الأسطر الثلاثة التالية :
"وأنا أكتب شعراً ، أي : أموت الآن ، فلتذهب أصول
الشعر ، وليتضح الخنجر ولينكشف الرمز : الجماهير
هي الطائر والأنظمة الآن تسمى قتلة"

لقد أصبحت المناسبة بعيدة ، وما عاد الشاعر يقيم في بيروت التي كانت ساحة حرب يوم كتب القصيدة ، ولربما رأى في هذه الأسطر الثلاثة مباشرة فأراد أن يخلص الشعر مما ليس شعراً .

على أن قارئ قصيدة "مزامير" من مجموعة "أحبك أو لا أحبك" يلحظ أنها في طبعة الأعمال اللاحقة (1996) قد خلت من المقاطع 8 و 9 و 11 و 12 و 15 ، وأن القصيدة التي كانت تتكون من سبعة عشر مقطعاً غدت تتشكل من اثني عشر مقطعاً . ولربما يعود السبب في حذفها إلى طغيان سمة النثر عليها ، ودرويش شاعر غنائي من الدرجة الأولى . ولعلني هنا أصل إلى جوهر هذه الورقة – أعني صياغات الشاعر نصه .

صياغات الشاعر نصّه :

كان الشاعر ، قبل إصدار "لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ " (1995) ينشر قصائده في الصحف والمجلات قبل أن يجمعها ليصدرها في ديوان ، وكان أحياناً يجري تعديلات على النص المنشور حيث يبدو مختلفاً عن صيغته الثانية المنشورة في الديوان . وقد سألت الشاعر إن كان يحتفظ بمسودات قصائده فأجابني بأنه لا يحب أن يطلع أحداً على مطبخه الشعري . وهذا ، ولا شك ، يحرم الناقد التكويني من فرصة دراسة أشعار درويش دراسة تكوينية ، لأنه – أي الناقد – لن يعثر على صياغات النص العديدة ، منذ لحظة التكون حتى ظهور الصيغة النهائية . ولكن هذا الناقد ، بسبب نشر درويش منذ الستينات وحتى أوائل التسعينيات قصائده في الصحف والمجلات ، سيجد – أي الناقد – فرصة ، وإن جزئية ، لتطبيق منهجه . وهنا سأكتفي بالإشارة إلى نصين يغريان الدارس بالكتابة ؛ الأولى قصيدة "حوار مع مدينة" التي نشرت على صفحات شؤون فلسطينية ، في العدد الخامس عشر ، في تشرين ثان من العام 1972 ، ثم ظهرت على صفحات مجموعة "محاولة رقم 7" (1974) تحت عنوان "بين حلمي وبين اسمه كان موتي بطيئاً" . والثانية قصيدة "إنه الرمل" التي ظهرت على صفحات شؤون فلسطينية في العدد المزدوج 68 و69 تحت عنوان "إنه الرمل" ، في العام 1977 من شهر آب ، ونشرت في مجموعة "أعراس" تحت عنوان "قصيدة الرمل" .

تشكلت "حوار مع مدينة" من 216 سطراً شعرياً ، وكانت تفعيلتها تفعيلة بحر الخبب، وحسب الفراغات بين الأسطر تبدو القصيدة متشكلة من أربعة عشر مقطعاً ، ويتراوح المقطع بين سطرين وواحد وخمسين سطراً ، ولا يتكرر المقطع الذي ابتدأ به الشاعر نصه إلا مرة واحدة في المقطع التاسع . وغدا عنوانها في "محاولة رقم 7" مختلفاً كما لاحظنا ، وتشكلت الصياغة الثانية من 204 أسطر شعرية ، وسارت على التفعيلة نفسها فاعلن / فعلن ، وحسب الفراغات بين الأسطر فقد بدت متشكلة من ثلاثة عشر سطراً ، ولا يتكرر المقطع الأول إلا قبل نهاية القصيدة بأحد عشر سطراً . وأشير إلى أن مطلع الصياغة الثانية يختلف عن مطلع الصياغة الأولى .

أما القصيدة الثانية "إنه الرمل" فقد تكونت من ستة مقاطع يبدأ كل مقطع بعبارة "إنه الرمل" ، وهكذا بدا شكل القصيدة حلزوني الشكل ، وقد تكونت القصيدة من 154 سطراً شعرياً ، تكون السطر تارة من كلمة وطوراً من أكثر من كلمة وقد وصل أحياناً إلى عشر كلمات ، والتفعيلة التي أقيمت عليها القصيدة هي تفعيلة بحر الرمل فاعلاتن ، وقد تشكلت صيغة الخطاب من الأنا / أنت ، أنا الشاعر المتكلم وأنت المرأة المخاطبة .

وسارت القصيدة في صيغتها الثانية على الإيقاع نفسه ، فلم تختلف التفعيلة ، وقد تشكلت من ستة مقاطع أيضاً ، ولكنها تكونت من واحد وخمسين سطراً فقط ، وهكذا حذف الشاعر مائة سطر وسطراً ، ولم يكن شكلها حلزوني الشكل ، لقد بدئت بعبارة إنه الرمل ولكنها كانت تقفل بعبارات "البدايات أنا والنهايات أنا" ، ولم تكن عبارة "إنه الرمل" ، كما في الصيغة الأولى ، منطلقاً لكل مقطع ، وما تشابه هنا نهايات المقاطع لا بداياتها ، كما هو في الصياغة الأولى . وتختلف أيضاً صيغة الخطاب ، ولئن كانت المرأة حاضرة في الصياغتين ، ولئن كانت محور تفكير أنا المتكلم ، إلا أن الشاعر هنا يبوح لذاته ولا يخاطب شخصاً آخر يحتل تفكيره .

ولئن كان أكثر الدارسين الذين أتوا على صياغات درويش نصه قد توقفوا أمام تلك القصائد التي حذف منها مفردات ذات دلالة سياسية ، فإن هاتين القصيدتين تعطيان أسباباً أخرى للتغيير والتبديل مردها الشاعرية بالدرجة الأولى ، وقد يعيد الالتفات إلى هاتين القصيدتين بعض الاعتبار لمكانة الشاعر التي حاول دارسو نصه دراسة أيديولوجية زعزعتها ، وبخاصة بعد أن حذف مفردة الشيوعية من عبارة يحبون الشيوعية ، وبعد أن استبدل مفردات بأخرى في "أحد عشر كوكباً على آخر المشهد الأندلسي" . إن الالتفات إلى صياغات هاتين القصيدتين يجعل من تطبيق المنهج التكويني تطبيقاً أشمل ، وكما لاحظنا فإن هذا المنهج لا يكتفي بالربط بين التكوين والجانب الاجتماعي ، وإنما يربط أيضاً بين التكوين وعلم النفس واللسانيات والشاعرية . هنا ولضيق الوقت سوف أعطي بعض الأمثلة تتعلق بالشاعرية فقط .

يعطي درويش نصه "حوار مع مدينة" عنواناً آخر يبدو أكثر شاعرية من العنوان الأول "بين حلمي وبين اسمه كان موتي بطيئاً" . ويبدو الأول عنواناً تقريرياً ، على الرغم من تشبيهه المدينة بالمرأة ، وهو في نصه يمزج بين الاثنتين . المدينة هي المرأة والحوار معها حوار مع امرأة ، هكذا يؤنسها ، ومع ذلك لم يمنح تشبيه المدينة بالمرأة العنوان قدراً من الشاعرية ، كما منح العنوان الثاني .

يمكن هنا أن أقف أمام مطلع كل صياغة ، لنلحظ أيضاً جنوح الشاعر في الصياغة الثانية نحو الشاعرية . تفتتح الصياغة الأولى بالأسطر التالية :
"يحمل الحلم سيفا
ويقطع أعناق من يحلمون
بما سيكون"
فيم تفتتح الصياغة الثانية بالأسطر التالية :
"باسمها أتراجع عن حلمها ، ووصلت أخيراً إلى الحلم .
كان الخريف قريباً من العشب ، ضاع اسمها بيننا .. فالتقينا" .

ولا يحتاج المرء إلى أن يعقب على أن الشاعر كان أكثر توفيقاً ، من ناحية شاعرية ، في الصياغة الثانية . لقد تراجعت سمة التقريرية لصالح الشاعرية . إن الشاعر ، في المقطع الثاني ، يقول عن علاقته هو بالمدينة ، ولا يقرر حقيقة كان يعتقد بها .

ما قلناه آنفاً يمكن أن نقوله أيضاً عن قصيدة الرمل . لقد حذف الشاعر من العنوان كلمتي "إنه" واستبدلهما بكلمة "قصيدة" ، وغدا العنوان كما أوردت من قبل ، غدا "قصيدة الرمل" لا "إنه الرمل .

ويفتتح الشاعر الصياغة الأولى بقوله :
"إنه الرمل على الرمل . وأدعوك إلى هذا الرحيل
في اتجاه الشمس ، ضداً ودليل .
أبيض هذا المساء
ضيق هذا المساء
ونهائي
ولا يشبهنا بحر
وهذا جسدي
يحرس الموت الذي نسكنه بعد قليل"
بينما يفتتح الشاعر الصياغة الثانية بقوله :
"إنه الرمل
مساحات من الأفكار والمرأة
فلنذهب مع الإيقاع حتى حتفنا
في البدء كان الشجر العالي نساء
كان ماء صاعدا ، كان لغة
هل تموت الأرض كالإنسان ؟
هل يحملها الطائر شكلاً للفراغ ؟
البدايات أنا
والنهايات أنا" .

ومن يقارن الصياغة الأولى بالثانية يلحظ تخلص الشاعر من مقاطع كثيرة ، كما يلحظ تخلصه من عبارات كررها مراراً ، ومن عبارات فيها ملامح النثر حيث المحاججة وبروز النزعة العقلية . إن الصياغة الثانية ذات جنوح نحو الشعر الوجداني الذي يتميز به درويش ، وهي ، من وجهة نظري ، أكثر شاعرية من الصياغة الأولى . ولعل الوقت المتاح لا يسمح لأن أكتب أكثر ، ولعل دارساً آخر يلتفت إلى هذا الجانب في أشعار درويش وغيره . وما من شك في أن المنهج التكويني سيفتح أمام الدارسين أبواباً جديدة لدراسة النصوص الأدبية .

د. عادل الأسطة
4و5/3/2001



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة في شعر درويش
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قراءة في جدارية محمود درويش
» قراءة في سطر شعري لدرويش
» جدارية محمود درويش
» عن محمود درويش
» محمود درويش

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: -,.-~*'¨¯¨'*·~-.¸¤~°*¤ô§ô¤*~( مـــنــتديــات الــــــمــواد الـــدراســـيــة )~*¤ô§ô¤*°~¤,.-~*'¨¯¨'*·~-.¸- :: منتدى مواد اللغة العربية-
انتقل الى: