أهلاً وسهلاً
بحضورك أشرقت الدار
وبانضمامك الينا
سعدنا كثير وغمرتنا الفرحة
وكلنا شوق لاطلالتك علينا
كل يوم
بحضورك البهي
وما سيجود فيه قلمك
من همسات ومشاركات
فقد تهيئت قلوبنا قبل صفحات منتدانا
لاستقبال عبق حروفك
وبوح قلمك
وتقبل امنياتي بقضاء أجمل وأسعد الأوقات
وأكثرها فائدة لنا ولك
وأهلاً وسهلاً
أهلاً وسهلاً
بحضورك أشرقت الدار
وبانضمامك الينا
سعدنا كثير وغمرتنا الفرحة
وكلنا شوق لاطلالتك علينا
كل يوم
بحضورك البهي
وما سيجود فيه قلمك
من همسات ومشاركات
فقد تهيئت قلوبنا قبل صفحات منتدانا
لاستقبال عبق حروفك
وبوح قلمك
وتقبل امنياتي بقضاء أجمل وأسعد الأوقات
وأكثرها فائدة لنا ولك
وأهلاً وسهلاً
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اللمة الجزائرية :: تعرف على الجزائر من أهلها جزائري : منتدى ثقافى ، سياحي ، تعليمي ، نقاشي ، تطويري ، برمجي ، رياضي ، ترفيهي ، سياسي متخصص بالشوؤن الأسرة.
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولكل القونين المنتدى

 

 محمود درويش--------ظواهر سلبية في مسيرته الشعرية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اميرة الورد
المـديـر العـــام
المـديـر العـــام
اميرة الورد


عدد المشركات : 2601
مستواك : 1672
معدل اليومي :: : 34
تاريخ التسجيل: : 05/01/2010
العمر : 35
الموقع : تلمسان

محمود درويش--------ظواهر سلبية في مسيرته الشعرية Empty
مُساهمةموضوع: محمود درويش--------ظواهر سلبية في مسيرته الشعرية   محمود درويش--------ظواهر سلبية في مسيرته الشعرية I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 21, 2010 7:07 am

محمود درويش …… ظواهر سلبية في مسيرته الشعرية .





تمهيد :-



تهدف هذه الدراسة إلى تتبع ظاهرة تكررت غير مرة في مسيرة محمود درويش الشعرية ،
تتمثل في إقدامه مرارا على حذف بعض مقاطع شعرية من بعض قصائده ، وعدم إدراج قصائد
كان لها صدى وتأثير واضحان على الذين قيلت فيهم في أية من مجموعاته الصادرة بعد
نظمه لهذه القصائد ، واستعداده
أي الشاعر _ أيضا في المستقبل ، على
حذف بعض مقاطع من قصائد أخرى أثارت أيضا ، عند نشرها ، ضجة كبيرة . والدافع إلى
هذا كما يذهب الشاعر ، جاء نتيجة لسوء فهم القراء والنقاد لبعض مقاطع من قصيدته
" أحد عشر كوكبا " وإصرارهم على أن الزمن الكتابي ( الإبداعي ) والزمن
المصوغ شعريا فيها هو زمن واحد ، وهذا ما ينفيه الشاعر
.



وقد
حاولنا قدر ما استطعنا ، تتبع هذه الظاهرة ، معتمدين على أمرين اثنين :-



الأول
: تتبع هذه ا لظاهرة عند الشاعر ، وهذا ما لا يحتاج إلى قدرة على تحليل النصوص من
الداخل ، بقدر ما يحتاج إلى بحث وتنقيب في أشعاره ، كما رأت النور لأول مرة ، ثم
متابعة التغيرات ا لتي طرأت عليها .



والثاني
:- قراءة النصوص من الداخل ، وتحديدا قصيدة " أحد عشر كوكبا " لملاحظة
فيما إذا كان الشاعر استطاع حقا أن يعيش في الزمن المصوغ شعريا كليا بحيث لم يسمح
للزمن الكتابي ( الإبداعي ) أن يترك تأثيره على الزمن المصوغ .



ولم
يقصد الباحث من هذه الكتابة الإساءة الشخصية لمحمود درويش إطلاقا ، فلقد كتب
العديد من المقالات حول قصائده وكان آخرها ردا على ما ورد في كتاب الدكتور عادل
أبو عمشة " شعر الانتفاضة : دراسة واختيار " القدس 1991 . ونشره في
جريدة القدس بتاريخ 31/5/1992 تحت عنوان " ليس دفاع عن محمود درويش "
دافع فيه عن شعر الشاعر ومكانته
أي شعره في الأدب العربي
والفلسطيني بخاصة . كما أنه نشر دراسة حول قصيدته " مديح الظل العالي "
في كتاب " دراسات نقدية "
( 1987) .ويقوم بتدريسه في الجامعة باعتباره شاعرا عربيا مميزا ، كما ترجم
ما كتب بالألمانية عن قصيدته "عابرون في كلام عابر " . وهناك دراسة تحت
عنوان " الأديب الفلسطيني والأدب الصهيوني " ( 1993) ثمن فيها
عاليا محمود درويش وجهوده في دحض الفكر الصهيوني .



يقول
محمود درويش في الحوار الذي نشرته " الاتحاد" الحيفاوية الصادرة بتاريخ
14/5/1993 نقلا عن " القدس العربي " الصادر في لندن ما يلي : -



"
وبصراحة أقول إنني لا أشكو من القارئ ، وإنما الناقد الذي يسلط الضوء على قطعة فسيفساء
واحدة في عمارة هائلة ، واستشهد هنا بمثال من الحاضر القريب . لقد ركز البعض على
عبارة " معاهدة الصلح " في قصيدة " أحد عشر كوكبا على آخر المشهد
الأندلسي " وأول تلك المعاهدة المتصلة بسقوط غرناطة معتبرا إياها موقفا مني
ضد مفاوضات السلام ، لقد آلمني ذلك كثيرا ،إذ لا يمكن لي أن أتعامل مع المفاوضات
من خلال الكتابة عن غرناطة ، ولست بحاجة لتوظيف كل تاريخي وبرنامجي الجمالي
للتعبير عن تحفظ ما أستطيع تسجيله في مقال أو ندوة أو اجتماع
……
.ولو كنت أعرف أن هذه العبارة سوف تسرق اهتمام القارئ أو المراقب الصحفي والمجتمع
السياسي العربي إلى هذا الحد لكنت تخليت عنها . وسأسمح لنفسي في أية طبعة جديدة
بتغييرها ، ليس تنصلا من المدلول ، ولكن حرصا مني على إبقاء القارئ في الحقل
الجمالي والتاريخي والثقافي للقصيدة بأسرها وليس لعبارة واحدة سمح التأويل
بتحويلها إلى لافتة أو شعار " (1) .



ويفهم
من النص المقتبس أعلاه أن محمود درويش يكتب عن غرناطة ، فقط ، كتابة ليس للآني
الراهن أية صلة فيها أو أي تأثير عليها . بعبارة أخرى : يستحضر محمود درويش
التاريخ ليصوغه شعرا دون أن يستعير بعض أحداثه التي يمكن أن تشكل مدخلا مناسبا
لقول الراهن من خلال الاتكاء عليها ، وهو ما يلحظ المرء عكسه بوضوح في قصيدته
" رحلة المتنبي إلى مصر " التي استعار فيها الشاعر تجربة الشاعر العربي
القديم " أبو الطيب المتنبي " في رحيله الدائم من مكان إلى مكان ، ليكتب
من خلالها تجربته هو حيث عاش أيضا متنقلا بين البلدان العربية (2) .



إذن
، ووفق عبارات محمود درويش ،يستحضر الشاعر المشهد التاريخي فقط ويكتبه شعرا دون أن
يكون للحاضر أي حضور أو فاعلية ،وكأنما يلغي درويش الحاضر كليا ليعيش لحظة سقوط
غرناطة ، وينشدها شعرا موظفا برنامجه الجمالي
على حد تعبيره لكتابة
المشهد التاريخي دون أن تمس المشهد الحالي ، لا من قريب ولا من بعيد . وبناء على
كلام الشاعر
وهذا ما يغاير كلام النقاد والقراء فإن مبدعها لا
يعبر عن موقف ما إزاء المفاوضات السلمية الجارية حاليا ، المفاوضات التي كان
للأندلس قديما ، إسبانيا حديثا ،دور ما فيها ، دور ربما يحمل في ثناياه دلالات
مهمة وقد تكون ، لنا ، قاتلة . وكان درويش قد ربط ذات مرة في إحدى كتاباته بين
الأندلس وفلسطين (3) .



والسؤال
الذي يثير نفسه هنا هو : لماذا أبدع درويش هذه القصيدة في هذه الفترة تحديدا ؟
ولماذا لم يبدعها، مثلا ، بعد الخروج من بيروت ؟



حقا
إن المرء لا يستطيع أن يهمل الزمن الكتابي للقصيدة كليا ، حتى لو لم تأت القصيدة
عليه مباشرة من ناحية ،ولو استطاع الشاعر نفسه أن يعيش في الماضي كليا من ناحية
ثانية . وبالتالي يمكن الذهاب إلى أن الزمن الكتابي ، بطريقة ما ، سوف يترك ظلاله
على الزمن التاريخي المصوغ جماليا . هذا بالإضافة إلى أن شاعرا مثل محمود درويش
عاش المأساة الفلسطينية بتفاصيلها لا يمكن أن ينجح في إلغاء الحاضر إلغاءً تاماً
حتى لو أراد ذلك . ولعل الشكل الشعري الذي اختاره ،وهو شكل معاصر ،خير دليل على
ذلك. والشيء ذاته يمكن قوله في أثناء البحث عن رموز ما ، أو مفردات ما في النص ككل
. مفردات ورموز توضح لنا تأثير الزمن الكتابي وحضوره ( لوركا ، جيتار ، كولومبس
الخ ) وهذا ما
سنعود عليه فيما بعد .



لقد
فاجأ محمود درويش الذي وقف إلى جانب مفاوضات السلام في مدريد ، في موقفه هذا ،
الكثيرين . وبخاصة أن كتاباته
شعرا ونثرا كانت تقول لنا وما زالت شاهدا أنه ضد تفاوض ما ،
ما دامت الأوضاع العربية غير قادرة على الوصول إلى ظروف تفاوضية يكون فيها الجانب
العربي ندا .



لقد
ذهب محمود درويش في مقالاته النثرية التي كتبها بعد توقيع السـادات معاهدة ( كامب
ديفيد ) إلى حد اتهام السادات بالخيانة . ولم تتغير لهجته في قصيدته التي أبدعها
بعد الخروج من بيروت (1982) " مديح الظل العالي " .



كتب محمود درويش نثرا ما نصه :



" هل سألنا عن الحرية ؟ نعم ، لأنها شرط لخوض حرب التحرير . هل قلنا حرب
التحرير ؟ نعم ، لأنها الخيار الوحيد الوحيد . فإما أن يتحول العرب إلى حرس
للاحتلال ، وإما أن يخوضوا الحرب حتى النهاية . لقد أعلنت حرب ديفيد على من يرفض
الإستسلام ، وعلى من يحلم بالوطن ، وعلى من يتحرر بالثورة ، وعاد الثلاثة من كامب
ديفيد بحلف جديد. وبوعد سيناء وبالحرب . أما الأرض المحتلة فستبقى محتلة ، والقدس
في الرسائل فهل تغير شيء ؟ بالحرب وحدها نستطيع السير إلى السلام " (4)
.




ولم تختلف صيغة الخطاب الدرويشي فيما بعد . وعلى الرغم من الهزة العنيفة التي تعرض
لها الفلسطينيون بفقدانهم معقلهم الأخير الذي كان يبعث في نفوسهم الأمل بإمكانية
حل عادل ما ، أعني " لبنان " ، نجد درويش يخاطب الظل العالي بعد الخروج
الأصعب في مسيرة الثورة الفلسطينية (1982) بالتالي :-




" فاذهب
……



فليس لك المكان ولا العروش / المزبلة




حرية التكوين أنت




وخالق الطرقات أنت




وأنت عكس المرحلة "(5)




ويواصل خطابه :-




"ماذا تريد وأنت سيد روحنا




يا سيد الكينونة المتحولة ؟




يا سيد الجمرة




يا سيد الشعلة




ما أوسع الثورة




ما أضيق الفكرة




ما أصغر الدولة " (6)




وعموما فإن مجمل كتابات درويش حتى عام 1989 لم تشذ، بهذا الخصوص ، عن هذه النغمة ،
وكانت قصيدته " عابرون في كلام عابر " التي كتبها متأثرا بالانتفاضة
تتويجا للهجة الخطاب السائدة في المقاطع المقتبسة أعلاه . وفجأة بدأ بكتب بطريقة
مغايرة ، وهو ما يلمح بوضوح في قصيدته " هدنة مع المغول أما غابة السنديان
"
التي شكلت منعطفا واضحا إزاء لهجة الخطاب البارزة في قصيدة "عابرون .
……
ولا يدري المرء حقا ما هو السر الذي حدا بالشاعر إلى البحث عن هدنة ما مع المغول
الذين ما زالوا يمعنون في الآخرين قتلا وفتكا . هل بلغ اليأس عند الشاعر أقصاه ،
هذا اليأس الذي بدأ يلحظ في شعره بعد الخروج ، وتحديدا في قصيدة " تأملات
سريعة في مدينة قديمة وجميلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط " ؟ (7)
.




أم هو هذا الجرح النازف أبدا دون أفق ، أعني استمرار الانتفاضة التي على الرغم من
عظمتها لم تأت ، بعد ، بحل مشرف يتناسب والتضحيات التي قدمها المنتفضون ؟ أم أن
هناك سببا خاصا بالشاعر نفسه :الكبر مثلا ، أو الرغبة في العودة إلى حيفا مهما كانت
النتائج،وهي رغبة عبر عنها الشاعر ذات نهار في الرسالة التي كتبها لمسيح القاسم
بتاريخ 19/5/1986 وقال فيها : " ست عشرة سنة تكفي لأصرخ : بدي أعود . بدي
أعود . كافية لأتلاشى في الأغنية حتى النصر أو القبر " (8) .




أم أن محمود درويش بدأ يبحث حقا عن مجد شخصي مثل الحصول على جائزة نوبل التي تقف
وراءها أيد صهيونية ؟




هكذا كتب الشاعر في قصيدته " هدنة مع المغول أمام غابة السنديان " :




" كم أردنا السلام لسيدنا في الأعالي .. لسيدنا في الكتب




كم أردنا السلام لغازلة الصوف .. للطفل قرب المغارة




لهواة الحياة .. لأولاد أعدائنا في مخابئهم .. للمغول




عندما يذهبون إلى ليل زوجاتهم ، عندما يرحلون




عن براعم أزهارنا الآن
عنا



وعن ورق السنديان " (9)



وقد
يذهب درويش ، هنا أيضا ، إلى أن النص هذا يمكن أن يدرس ، فقط ،وفق رؤية تاريخية
جمالية . بمعنى أوضح : إن المغول هنا ليسوا رمزا للإسرائيليين . إنهم المغول الذين
دمروا بغداد . وأن الضمير "نا "لا يعني بالضرورة ،الفلسطينيين ،وإنما
المسلمين الذين سفكت دماؤهم ،أو الذين نجوا من المذبحة . غير أن ما يحول دون قبول
تحديد كهذا هو استخدام الشاعر نفسه لهذه المفردة " المغول " ولمفردة
ملازمة لها " التتار " في قصيدته " فرس للغريب " التي كتبها
إثر حرب تدمير العراق (1991) التي بادرت بها الولايات المتحدة الأمريكية . حقا إن
المفردة " التتار " تـرد أحيانا مجردة ومقترنة بلفظة "خيلنا
"مما يكسبها دلالة تاريخية ،وأنه حين يقصد بها الأمريكيين يتبعها بصفة "
الجدد " :




"وللقمر البابلي على شجر الليل مملكة لـم تَعُدْ




لنا ، منذ عاد التتار على خيلنا ، والتتار الجدد




يجرون أسماءنا خلفهم في شعاب الجبال ،وينسوننا




وينسون فينا نخيلا ونهرين : ينسون فينا العراق "(10)




ولكن قوله في القصيدة نفسها :




كلما بعدنا عن النهر مر المغولي ، يا صاحبي ،بيننا "(11)




يشير إلى إطلاق هذا اللفظ " المغولي " على كل من يقوم بحرب إجرامية .
وبالتالي تخرج اللفظة عن إطار استخدامها التاريخي المحدد .



قد يذهب بعض الدارسين إلى القول : إن
كاتب النص هو أقدر الناس على تفسيره وتبيان مدلوله إذا استعصى على الدارسين
والقراء وتعددت الشروحات واختلفت الآراء .نعم قد يذهب بعض الدارسين هذا المذهب ،
ولكن إذا كان ذلك كذلك، فمن حق القارئ أن يطالب المبدع بالتخلي عن جماليات النص
ليقول ما يريد بأسلوب مباشر فيه قدر كبير من الوضوح حتى لا يوقع القارئ في إشكالية
التفسير ، وحتى لا تتعدد القراءات بتعدد القراء . وهذه التعددية في الفهم قد يكون
سببها حقا اختلاف المشارب الثقافية للمتلقي ، ولكنه قد يكون أيضا النص المشكل الذي
غالبا ما يكون نصا جماليا يحتمل عدة تفسيرات وتأويلات ، والشعر ،على أية حال، مجال
رحب لذلك .




وتكمن مشكلة الفلسطينيين الآن ، وبخاصة الكتاب والشعراء منهم ، في انهم يقبلون ما
كانوا يرفضونه ، من قبل،بشدة رفضا تجاوز حدود المشافهة القابلة للإنكار والتنصل .
لقد كتبوا معبرين عن رؤاهم ، ونشروا ما كتبوا ،ووصلت هذه الرؤى إلى درجة القدسية .
ثم وجد كاتبو هذه النصوص أنفسهم في زاوية محددة ، وجدوا أنفسهم يوافقون على ما
كانوا يرفضون، ووصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك بحيث وجدوا أنفسهم مع الذين
هاجموهم واتهموهم بالخيانة في خندق واحد .




حقا إن الأمر لم يصل بمحمود درويش إلى هذا الحد ، ولكنه ،على أية حال ،يقف في جانب
من هذا الأمر ، مع هؤلاء ، ونصوصه شاهدة على ذلك .




وقد يجنى على محمود درويش جناية كبرى حين يدرس من هذه الزاوية فقط . فهو واحد من
أبرز المبدعين العرب ، بل ولعله أبرز مبدع عربي شعرا منذ المتنبي حتى الآن ، إلا
أن المتتبع لمواقفه السياسية سيجد تناقضا بين ما يقوله شعرا وما يقوله سياسة .
وكان للأمر أن يمر هكذا دون إشكال ما لو اكتفى بقول الشعر من ناحية ، ولو اكتفى
بإعلان موقف سياسي من ناحية ثانية ، دون أن يفسر نصه الشعري بما يخدم موقفه
السياسي ،فليس هو بأول فلسطيني يقع في مثل هذا التناقض . لقد كان أميل حبيبي أسبق
منه في ذلك ،ومن كان يقرأ ما يكتبه في جريدة " الاتحاد " من مقالات
سياسية ، ويقرأ في الوقت نفسه نصوصه القصصية والروائية ،يلحظ مثل هذا التناقض .
وقد سئل ذات يوم عن هذا فأجاب :




" اختياراتي السياسية تمنعني أحيانا من قول كل شيء ، ولا أكتب إلا حين أكون
مستعدا لأن أقول كل شيء . هنالك أحيانا ضرورات سياسية ومتطلبات ديبلوماسية لا تجعل
الإنسان يتصرف كما يشتهي . اضطر مرات أن أسكت ، ومرات أخرى اضطر فيها إلى أن ابتسم
في وجه عدوي وأصافحه . وأجد مرات أخرى طريقا وسطا من أجل استمرار الحركة السياسية
ولكن في الأدب فإن ذلك غير جائزا إطلاقا ."




ويضيف :




" أنا أوثق في التاريخ والسياسة ،ولكن في الأدب فأنا لم أعمل موثقا ، الموضوع
الذي لا أستطيع قول كل الحقيقة فيه لا أكتبه ، عندما أكتب الأدب فأنا أكتب كل شيء
، وأما في السياسة فأنا أسايس ، وهناك فرق بين العمل السياسي والعمل الفني فالعمل
السياسي يحتاج إلى دبلوماسية ، أما العمل الفني فيجيب أن يكون صادقا " (12)




غير ان التناقض بين ما يقوله محمود درويش شعرا وما يمارسه فعلا بدأ منذ اللحظة
التي خرج فيها من فلسطين. وأصبحت مقاطع شعرية قالها يحث الناس فيها على الصمود
والبقاء على أرض الوطن ،مثل :




وطني ليس حقيبة




وأنا لست مسافر




إنني العاشق




والأرض حبيبة (13)



أصبحت
إذا وحدنا بين أنا الشاعر وأنا المتحدث في
النص
مجرد كلام قد لا يقتنع به قارئو الشاعر لأن صاحبه كان أول من
تخلى عنه . تماما كما كان تخلى عن نصائح والده له :




وأبي قال مرة




الذي ما له وطن




ما له في الثرى ضريح




ونهاني عن السفر (14)




ومع أني شخصيا لم أكن ضد هجرة درويش ، معتمدا على تاريخه النضالي بعد الخروج من
ناحية ، وإبداعاته الفذة والمتميزة التي تشكل الآن صوتا مميزا ليس في الأدب
الفلسطيني وحسب ، بل وفي الأدب العربي بعامة ، إلا أن المرء لا يستطيع حقا
يغض الطرف عن مواقف شبه مميتة في مسيرة الشاعر ، مواقف ربما تقلل من مصداقيته إذا
ما درس الفنان من زاوية التزامه بما يبدعه شعرا وينظر له نثرا .




ثمة ثلاثة مواقف يمكن الإشارة إليها هنا :



الموقف الأول يكمن في قبوله حذف بعض
مقاطع شعرية ، لها دلالة مهمة جدا في تاريخه الشخصي والنضالي ، من ديوانه ،حين
أقدم على نشر مجموعة أشعاره معا . هنا نشير إلى القصيدة التي نظمها وهو داخل الأرض
المحتلة ، أيام كان عضوا في الحزب الشيوعي ، تحت عنوان " سجّل أنا عربي
" . لقد ذكر في المقدمة التي كتبها للطبعة السادسة ما فعله حين أشرف على
الطبعة الثالثة :




" لا أخجل من طفولتي الشعرية . ولكن الطفولة شيء والمراهقة شيء آخر .وهذا هو
المبرر الوحيد لإقدامي على قطع بعض أجزاء من جسدي الشعري . ما دام الشاعر حيا فمن
حقه أن يكون المشرف على شعره . ليس صحيحا أن كل ما يقوله الشاعر وثيقة .كل شاعر
يرتكب كثيرا من الحماقات " .(15)




إن المقطع الذي ينص :-




أنا من قرية عزلاء منسية




شوارعها بلا أسماء




وكل رجالها في الحقل والمحجر (16)




يحبون الشيوعية .




خلا من العبارة الأخيرة في الطبعة التي أشرف درويش على نشرها . ولعله يكون فعل ذلك
بناء عل طلب الناشر علي سعيد محمدية صاحب " دار العودة "للنشر ، حتى
يسمح بتوزيع الديوان في بعض بلدان الوطن العربي ، وتحديدا دول الخليج النفطي .




والموقف الثاني الذي يمثل تراجعا لا يقل أهمية عن تراجعه السابق يكمن في عدم نشر
درويش ،في أي من دواوينه الشعرية ، القصيدة التي نظمها عام 1979 تحت عنوان "
أنا الآخـر " ، إثـر اختلاف " أحلامـه ، كما يقول ، مع أدوات تحقيقها
" واختفائه في باريس .(17)




وربما لا يعرف عن هذه القصيدة إلا المتتبع لأشعار الشاعر ومسيرته الشعرية أولا
بأول ، أعني قارئ قصائده في الدوريات المختلفة قبل نشرها في مجموعات شعرية . وفي
هذه الفترة نشر محمود درويش قصيدته " رحلة المتنبي إلى مصر " التي عبّر
فيها عن يأس شبه مطلق إزاء ما يحدث في العالم العربي ،يأس من الأنظمة والشعوب أصاب
أيضا الجميع ، وأصبح وطنه قصيدته الجديدة ،وحتى بيروت التي غنى لها ، فيما بعد ،
قصيدة من أجمل القصائد التي نظمت في هذه المدينة ،تشابهت مع باقي المدن . وفي
القصيدة الأولى يقول :




"الأرض أصغر من مرور الرمح في خصر نحيل




والأرض أكبر من خيام الأنبياء




ولا أرى بلدا ورائي




لا أرى أحدا أمامي




هذا زحام قاحل




والخطو قبل الدرب ، لكن المدى يتطاول (18)




وتبدو النغمة في قصيدة " أنا الآخر " أكثر توترا وحدة . ويبدو أن
المخاطب فيها ، بطريقة أو بأخرى ، هو الرموز الفلسطينية التي تقود م.ت .ف ،
وتحديدا ياسر عرفات :




"أيها الباب ! لماذا تسحب الظل إلى الشارع ؟




هل كان علينا أن نصلي لرجال وأساطير




وأن نكفر منذ الركعة الأولى ولا نقوى على الإفلات من ركعتنا ؟




هل كان علينا أن نعيد الله من منفاه فوق الأرض كي ندخل منفانا ؟




لمن يقرع هذا الصمت في الروح وفي مملكة الصحراء ؟"(19)




ولم تطل إقامة محمود درويش في باريس ، فقد عاد إلى بيروت بعد مصالحة مع ياسر عرفات
كانت نتيجتها إصدار مجلة " الكرمل " إرضاء له . وكتب درويش ،فيما بعد
قصائد و مقالات (20)‑فيها من مديح ياسر عرفات ما يشبه مديح المتنبي
لسيف الدولة والحكام اللهم إلا إذا أخذنا بتفسير محمود درويش نفسه لعلاقة المتنبي
بالحكام ، وطبقناه على درويش نفسه . يقول درويش :




" وأنا معجب بشخصية المتنبي إعجابا شديدا ، فالمتنبي لم يفهم جيدا عندما اتهم
بأنه شاعر بلاط
وبرأيي إن المتنبي لم يمدح أحدا ، ولم يمدح سلطة الدولة ،بل
كان يؤسس سلطته الشعرية . كان يستخدم القوة الشعرية من أجل تأسيس سلطة للشعر .
وبالتالي كان سيف الدولة في المتنبي هو المتنبي .هو كان يرى نفسه . لم يكن يرى سيف
الدولة . واستعمل كافور استعمالا عابرا من أجل توسيع نفوذ سلطته الشعرية "(21)
.




وأما الموقف الثالث والأخطر ، في نظري ،فهو عدم إقدام درويش على نشر قصيدته "
عابرون في كلام عابر " التي نظمها في بداية الانتفاضة فأثارت جدلا في الأوساط
الإسرائيلية لم يثره أي عمل أدبي في تاريخ الأدب الفلسطيني ،وفق اطلاعي ،في أية من
مجموعاته التي صدرت فيما بعد " أرى ما أريد " و " أحد عشر
كوكبا" .




وعدم نشرها في هاتين المجموعتين يعني أن الشاعر اعتبرها ضربا من مراهقة الطفولة
،كما اعتبر قوله "يحبون الشيوعية " في القصيدة المشار إليها في بداية
هذه الدراسة . ومن ثم فقد رأى أنها لا تعبر حقيقة عن مواقفه التي يرضى عنها .
ويبدو أنه اعتبرها ردة فعل لحدث ساخن جدا هو الانتفاضة . لقد انفعل بالحدث هذا
فكانت القصيدة استجابة فورية ، وكانت بالتالي تخالف في نغمتها النغمة التي كانت
تطبع قصائده عامة . وهذا ما ذهب إله بعض دارسـي القصيدة أو المعقبين عليها من
اليسار الإسرائيلي وغيرهم من أنصار الصهيونية (22) .




وما يمكن أن يقال ، على أية حال ، هو أن الشاعر عبر في القصيدتين المشار إليهما
" أنا الآخر "و " عابرون في كلام عابر " عما يعتمل في نفسه
بوضوح دون أن ينتظر شيئا ما أعني دون أن يفكر في الربح والخسارة إطلاقا .
وإنصافا للشاعر فإن مجمل كتاباته تقول الشيء نفسه ، إزاء الصهيونية وتسلط
الفرد ، ولكنها لم تكن على هذا القدر الكبير من الوضوح .




وجاءت المقابلة التي أجريت مع محمود درويش واقتبسنا منها نصا مطولا في بداية هذه
الدراسة لتحمل في ثناياها موقفا رابعا مماثلا . لقد أثارت القصيدة التي نظمها
مؤخرا "للحقيقة وجهان والثلج أسود " (23) غضب ياسر عرفات
شخصيا ، لأنه
أي عرفات وأيضا غيره رأى فيها هجوما
شخصيا عليه أولا وعلى مؤتمر السلام ثانيا . وأبدى درويش ،كما يوضح لنا النص
المقتبس ، استعداده لحذف بعض المقاطع . ويبدو أن هذا الاستعداد جاء بعد ملاحظة
الشاعر لردود الأفعال إزاء القصيدة ، وتحديدا رد ياسر عرفات . والقارئ لطبعتي
الديوان الصادرتين هنا في الأرض المحتلة يلحظ ثمة تغييرا حقا .




إن عبارة "إن هذا السلام سيتركنا حفنة من غبار " التي وردت في صيغة
القصيدة الأولى ، تركت على حالها في طبعة " دار الجديد "، ولكنها حولت
أو حورت في طبعة "دار الأسوار " لتصبح "إن هذا الرحيل سيتركنا
حفنة من غبار " ، ولا يدري المرء حقا إن كان هذا التغيير قد تم من
الناشر يعقوب حجازي نفسه أم تم بناء على طلب محمود درويش نفسه.




وأرى أن السطرين الشعريين القائلين :-




"لم تقاتل لأنك تخشى الشهادة ، لكن عرش نعشك




فاحمل النعش كي تحفظ العرش يا ملك الانتظار "(24)




يستحضران أمامنا ما ورد في قصيدة "مديح الظل العالي " التي كان الخطاب
في جزء منها مواجها إلى ياسر عرفات باعتباره أيضا فدائيا ومقاتلا مثل باقي
الفدائيين والمقاتلين لا كونه رئيسا :




" فاذهب
……



فليس لك المكان ولا العروش / المزبلة




حرية التكوين أنت




وخالق الطرقات أنت




وأنت عكس المرحلة "(25)




وما من شك في أن ثمة مفردات متشابهة ، حين نقرأ أشعار محمود درويش ككل ، يفهم منها
من هو المقصود وما هو المقصود وما هو المقصود . لقد كان عرفات ، حين قاتل في بيروت
، يسير عكس المرحلة ، ولم يقاتل إلا لأنه كان عكس المرحلة ، فهو خلافا للزعماء
العرب الذين يديرون المعركة من بعيد حمل حقائبه في أثناء بداية حرب 1982 وغادر
السعودية ،حيث كان ، قافلا إلى بيروت ليقاتل مع المقاتلين ،وكان بذلك مختلفا
ومتميزا حقا ، وهناك في بيروت لم يكن يخشى الشهادة لأنه أدرك أن عرشه هو نعشه . ثم
فجأة أخذ عرفات ،منذ أصبح رئيسا لدولة لفظية ، يطرب حين يخاطب بسيادة رئيس . لقد
تشابه مع المرحلة ،ولم يعد عكسها.هنا يمكن أن نقتبس مقطعا من قصيدة "
بيروت "(1981) يعزز ما نذهب إليه :-




"سبايا نحن في هذا الزمان الرخو




أسلمنا الغزاة إلى أهالينا




فما كدنا نعض الأرض حتى انقض حامينا على الأعراس والذكرى




فوزعنا أغانينا على الحراس




من ملك على عرش




إلى ملك على نعش




سبايا نحن في هذا الزمان الرخو




لم نعثر على شبه نهائي سوى دمنا




ولم نعثر على ما يجعل السلطان شعبيا




ولم نعثر على ما يجعل السّجان وديا




ولم نعثر على شيء يدل على هويتنا




سوى دمنا الذي يتسلق الجدران
……


ننشد خلسة :



بيروت خيمتنا




بيروت نجمتنا (26)



هكذا
يتكرر الموتيف ( ملك على عرش إلى ملك على نعش ) ليعبر حقيقة عن رؤية عميقة لها حضورها
عند محمود درويش وهي : البحث عن العرش يعني البحث عن النعش . وإذا ما أخذنا بقول
درويش من أن القصيدة " للحقيقة وجهان والثلج أسود " تعبر عن مرحلة سقوط
غرناطة ، فإننا نذهب إلى ما يذهب إليه هو نفسه ، وهو : ثمة خطأ ما في التاريخ
العربي ،خطأ دائم التكرار . إن الصورة القديمة للحاكم : العرش
النعش ما زالت هي
هي . هكذا يقول مجمل شعره .



وإذا
ما انتقل الدارس من الوقوف على بعض العبارات التي حدت ببعض القراء والنقاد إلى
الزعم بأن المقصود في النص هو مفاوضات السلام وياسر عرفات تحديدا ،ليقرأ القصيدة
من الداخل مقارنا بين بعض عباراتها ، بما كان ورد في قصائد نظمها الشاعر في هذه
المرحلة وفي فترة سابقة من ناحية ،ومتسائلا أيضا عن سبب نظم هذه القصيدة في هذه
الفترة من ناحية ثانية ، فإنه
أي الدارس لن يتفق والشاعر
فيما ذهب إليه في المقابلة المشار إليها في صدر هذه الدراسة .



وكما
أسلفنا ،فلقد وصل الفلسطينيون إلى مرحلة من الضعف قبلوا فيها ما كانوا عارضوه ، من
قبل ، وساروا مع من كانوا يتهمونهم بالخيانة ،حين كان المتَهَمون يقبلون ما رفضه
المُتهِمون . وهذا يعتبر إقراراً ، وإن بشكل خفي ، بالتنازل عن حقوقهم في فلسطين ،
وهكذا تصبح هذه أندلساً جديدة ،ومن ثم فقد انبسطت اليد الفلسطينية التي مزقتها
الرماح ليسقط الطائر منها ، دون أن تتمسك اليد به ،وهكذا تذهب مقولة ماجد أبي شرار
، التي آمن بها درويش ، أدراج الرياح (27) .



ونعود
إلى القصيدة لنقرأها من الداخل . لقد تكونت القصيدة من أحد عشر مقطعا ، غلب على
معظمها ، باستثناء المقطعين الأول والسادس حيث استخدم فيهمـا ضمير الجماعة "
نحن " والمقطع الحادي عشر ،حيث لا يظهر صوت المتكلم بوضوح إذ نستمع إلى نكرة
تتحدث ،استخدم ضمير المتكلم " أنا " . وعلى الرغم من هذا الانتقال بين
الضمائر إلا أن المرء يستمع إلى صوت محمود درويش وحده أولا ، ومن ورائه نكرر
نحن الذين نشترك معه في الرؤية المأساوية لواقعنا المعاصر الذي يذكرنا أفول نجم
فلسطين فيه بأفول مجد العرب في الأندلس ووجودهم فيها . وتتكرر في كثير من هذا
المقاطع موتيفات لها حضورها البارز والمميز في أشعار الشاعر ، ومن ضمنها موتيف
تقسيم العالم جغرافيا إلى منطقتين : هنا وهناك ، وهذا يعني للشاعر الذي يعيش بعيد
عن وطنه فلسطين : المنفى الذي يتسع ليشمل العالم كله ، وفلسطين التي غادرها عام
1970 .



لقد
نشر درويش عام 1986 قصيدة عنوانها " أنا من هناك "، عبر فيها عما له
هناك
أي
فلسطين - ، وأشار فيها إلى أنه لا يستطيع أن يقتطع جزءا من جسده وروحه ،ويقصد بذلك
ماضيه ، فهو في المنفى ،وأيضا قبل أن يعيش فيه :




" تعلمت كل كلام يليق بمحكمة الدم كي أكسر القاعدة




تعلمت كل الكلام ،وفككته كي أركب مفردة واحدة




هي " الوطن " (28)



وهذا
ما تكرر في المقطع الثامن من قصيدة " أحد عشر كوكبا " حيث فيه يقول:-




"كن لجيتاري وَتَراً أيها الماء . لا مصر في مصر ،




لا فاس في فاس ، والشام تنأى . ولا صقر في




راية الأهل ، لا نهر شرق النخيل المحاصر




بخيول المغول السريعة . في أي أندلس أنتهي ، ههنا




أم هناك ؟ سأعرف أني هلكت وأني تركت هنا




خير ما في : ماضي " (29)



وللتو
يتذكر المرء وهو يقرأ " ولا صقر في ... " قصيدته " فرس للغريب
" التي أبدعها بعد حرب تدمير العراق عام 1991 . إنه الإيقاع نفسه حين يقول :




" وللقمر البابلي على شجر الليل مملكة لم تَعُدْ




لنا ، منذ عاد التتار على خيلنا . والتتار الجدد




يجرون أسماءنا خلفهم في شعاب الجبال ، وينسوننا




وينسون فينا نخيلا ونهرين : ينسون فينا العراق " (30)



وللتو
يتذكر المرء أيضا قصيدته " رحلة المتنبي إلى مصر " التي سبق وأن كرر
فيها عبارة " لا مصر في مصر التي أمشي إلى أسرارها " (31)



وما
يجعلنا نرى أن الإيقاع في قصيدة "أحد عشر كوكبا " وقصيدة " فرس
للغريب " متقارب إلى حد بعيد ، على الرغم من أن الزمن المصوغ في القصيدتين
مختلف ، تكرار العديد من العبارات . فمثلا يقول الشاعر في " أحد عشر كوكبا
":




"
……ووداعا لتاريخنا ، هل أنا



من سيغلق باب السماء الأخيرة ؟ أنا زفرة العربي الأخيرة "(32)



وهذا
يستحضر في أذهاننا القول التالي من القصيدة الثانية :




" صحراء للصوت ،صحراء للصمت ، صحراء للعبث الأبدي




…………



…………



هنا يكتب العربي الأخير : أنا العربي الذي لم يكن




أنا العربي الذي لم يكن " (33)



وتقول
لنا قصيدة " أحد عشر كوكبا " ما هو أكثر من ذلك ،وبخاصة حين نعود
إلى حديث درويش عن المتشابه والمختلف بين فلسطين والأندلس . يرد في المقطع الحادي
عشر السطران التاليان :




" الكمنجات تبكي على زمن ضائع لا يعود




الكمنجات تبكي على وطن ضائع قد يعود "(34)



وهذا
يعني أن الوطن الضائع في النص ممكن الاستعادة ،ودرويش حين سئل عن الأندلس وفلسطين
قال عن الأخيرة "إنها حلم ممكن الاستعادة " (35) وقد تكرر
هذا القول على لسان ماجد في رثاء درويش له .(36)



وقوله
في المقطع الأول من "أحد عشر كوكبا :-




وسنسأل أنفسنا في النهاية : هل كانت الأندلس




ههنا أم هناك ؟ على الأرض أم في القصيدة ؟"(37)



يستحضر
قصيدته في ديوان " ورد اقل " التي عنوانها "نسافر كالناس "



وفيها
يقول :-




لنا بلد من كلام . تكلم تكلم لأسند دربي على حجر من حجر




لنا بلد من كلام . تكلم تكلم لتعرف حدا لهذا السفر .(38)



كما يستحضر أيضا قصيدته " نسير إلى
بلد " وفيها يقول :




"
آه من بلد لا نرى منه إلا الذي لا يرى :
سرنا، لنا المجد :




عرش على أرجل قطعتها الدروب التي أوصلتنا إلى كل بيت سوى بيتنا "!



هنا
ننتقل إلى الحديث عن نقطة أخرى ، وهي ردود الأفعال الإسرائيلية إزاء قصيدة "
عابرون في كلام عابر " . لقد تراوحت هذه الردود ما بين مؤيد ومعارض ،فالذين
أيدوا وقفوا إلى جانب الشاعر ولكن ضد القصيدة ( رئوبين شنير ) مثلا ، الذين عارضوا
هاجموا الشاعر والقصيدة معا ( عاموس كينان ) مثلا .




كما يشار أيضا هنا إلى دراسات أساتذة جامعيين من غير الإسرائيليين يدعون إلى
التعايش ويشجعون عليه ، ولكنهم في الوقت نفسه منحازون بوضوح إلى الطرف
الإسرائيلي ومن هؤلاء الدكتوره (أنجليكا نويفرت ) المدرسة بجامعة (برلين) .
لقد درست هذه القصيدة وردود الأفعال الإسرائيلية إزاءها، وخلصت إلى أن القصيدة
"ككل توضع تحت علامة تهديد إبادة " . وللتو يمكن أن تقرأ القصيدة
كأخبار توسيع فوري لانتفاضة الشعب الفلسطيني على كامل الأرض من الأردن حتى البحر
المتوسط . وللتو يمكن أن توقظ التسمية المجردة لمفردة " البحر الريبة لدى
محرر هآرتس المتأمل ، بأن شعار الشقيري " ارموهم في البحر " هو المخاطَب
،وهنا يمكن أن يستنتج سياسي معارض شجاع مثل (عاموس كينان ) في القصيدة برنامج
ترحيل " (40)




وقد تكون ردود الأفعال الإسرائيلية السبب الذي حدا بدرويش إلى عدم نشر القصيدة في
أية من مجموعاته اللاحقة ،تماما كما أن تصالحه مع عرفات هو الذي دفعه إلى عدم ضم
قصيدة "أنا الآخر " إلى أية من مجموعاته .




وقصيدة " عابرون في كلام عابر " تحتمل حقا غير تفسير ، وقارئها العربي
لن يجد فيها ما يذهب إلى أن درويش كان يقصد في قوله "برنا " و "
بحرنا " الضفة والقطاع ، وهو أيضا ما رآه الدارسون الإسرائيليون . ولكن
الزوبعة التي أثارتها القصيدة والتظاهرة التي جرت في باريس من الجانب اليهـودي
هناك مطالبة بمحاكمته وطرده باعتباره ضد اليهودية
هكذا وصف جعلته يوضح نثرا
ما نظمه شعرا (41) .




وكانت إجاباته النثرية تعبيرا عن مواقفه السياسية في الأوقات العادية . لقد أوضح
ما يذهب إليه في القصيدة
لا تقول القصيدة حقا هذا بوضوح بما لا يغضب
اليسار الإسرائيلي ، وبما يعيده إلى دائرة المرضي عنهم ، المقبولين ليس فقط من
اليسار الإسرائيلي بل من فئات إسرائيلية تقع في الوسط وربما يمين الوسط .




ولو قرأ اليسار الإسرائيلي قصيدة "الأرض "التي نظمها عام 1976 لتأكد أن
قصيدة "عابرون في كلام عابر " لم تكن مجرد استثناء في أشعاره . يقول
درويش في هذه القصيدة :




أنا الأرض




والأرض أنت




خديجة لا تغلقي الباب




لا تدخلي في الغياب




سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل




سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل




سنطردهم من هواء الجليل (42)



إزاء
كل ما سبق يمكن التساؤل : هل حقا سيقدم محمود درويش في الطبعات اللاحقة لمجموعة
" أحد عشر كوكبا " على حذف العبارة التي أشار ، وأشير ، إليها في النص
المقتبس في بداية الدراسة ؟



إن
المواقف الثلاث المشار إليها تعزز لدينا أنه يقصد ما يقول وأنه سيفعل ذلك ،وإن كنا
نأمل ألا يقدم على فعل ذلك . ولكن ما نأمله يبقى من باب الأمنيات ، فمحمود درويش
مثله مثل كثير من المثقفين الفلسطينيين والعرب يرتبط بمؤسسات السلطة المالكة ،
ووقوفه إلى جانب ما يعتقد به شخصيا قد يسبب له العديد من المشاكل (43)
، ولعل أهمها محاربته في قوته وحرمانه من امتيازات يبدو التنازل عنها أمرا ليس
سهلا بعد أن تعوّد على مثلها .



حقا
إن محمود درويش كاتب شجاع وجريء ، انتقد مؤسسات الثورة نقدا واضحا وصريحا ،نقدا
قلما نقرأ مثله عند غيره من الكتاب ، من ذلك مثلا ما ورد في كتابه " ذاكرة
للنسيان " حين قال :



"
لعل المحاكمة التي تستحقها الثورة هي أنها كانت خالية ، وما زالت خالية ، من
تقاليد محاكمة أعضاء القيادة على جرائمهم المدوية . واقتصرت على تتبع جنايات
أخلاقية يرتكبها شهداء المستقبل خلال بحثهم عن متعة عابرة في سيجارة حشيش ، أو
امرأة تغوي ، قبل أن يتحولوا إلى منصة للخطابة . " (44) .



ولكنه
حين أقدم على نقد عرفات تراجع عندما ساءت أوضاعه ، ولم يواصل النهج الذي سار عليه
ناجي العلي .



ولعل
بحث محمود درويش ، على أية حال ، عن مجد شخصي ، وهذا ما لا يحتاج إليه كما أرى ،
هو ما يفسر لنا ما سبق .



لقد
أخذت ظاهرة النرجسية تبرز بوضوح في أشعاره ، وتحديدا في قصائد "ورد أقل"
(1986) ، و " أرى ما أريد " (1990) ، و " أحد عشر كوكبا "
(1993) . وتتقدم الذات أحيانا كثيرة لتتصدر المشهد الشعري . صحيح أن الشاعر يكثف
في هذه الذات الهم الفلسطيني بطريقة مدهشة لم يستطعها أي شاعر غيره حقا ، ولكن هذا
الطغيان للأنا يستحضر في أذهاننا شاعرا عربيا آخر كان للأنا في شعره حضور مفزع ،
حدا ببعض الدارسين إلى اتهامه بالغرور ، والشاعر هو أبو الطيب المتنبي الذي قرأه
درويش بتأن وروية ودافع عنه . ومنذا الذي يقرأ قصيدة " رأيت الوداع الأخير
" لمحمود درويش ولا يستحضر المتنبي . يقول الشاعر :




" رأيت الوداع الأخير : سأودع قافية من خشب




سأرفع فوق أكف الرجال ، سأرفع فوق عيون النساء




سأرزم في علم ، ثم يحفظ صوتي في علب الأشرطة




ستغفر كل خطاياي في ساعة ، ثم يشتمني الشعراء




سيذكر أكثر من قارئ أنني كنت أسهر في بيته كل ليلة




ستأتي فتاة وتزعم أن تزوجتها منذ عشرين عاما
ونيف



ستُروى أساطير عني ، وعن صدف كنت أجمعه من بحار عديدة




ستبحث صاحبتي عن عشيق جديد تخبئه في ثياب الحداد




سأبصر خط الجنازة والمارة المتعبين من الانتظار




ولكنني لا أرى القبر ،ألا قبر لي بعد هذا التعب (45)




وقد لا يقرأ المرء حقا ،حتى الآن ،في الشعر الفلسطيني سطرا شعريا يكثف مأساة
الفلسطيني في المنفى كما يكثفها السطر الأخير ، إلا أن تضخم الذات لدرجة لافتة هو
ما يميز باقي القصيدة . وهو تضخيم كان برز أساسا في قصيدته "مديح الظل العالي
" حين أتى على ذكر الشهيد سمير درويش الذي استشهد عام 1982 ،فقال :








"جازك ربك




أتعرف من أنا حتى تموت نيابة عني "(46)




وما من شك في أن درويش شاعر عظيم ، قدم
تضحيات لا تنكر من أجل فكرة فلسطين ، ولكن بعض أشعاره تذكرنا بأبيات المتنبي
الناصة :




أي محل
ارتقي
أي عظيم أتقي




وكل ما خلق
الله
وما لم يخلق




محتقر في
همتي
كشعرة في مفرقي (47)




وما يستحق أن يدرس في أشعار محمود درويش حقا هو ظاهرة بروز ( الأنا )وإن كان حضور
الذات أساسا غير مستغرب ومستبعد في الشعر الغنائي ، وهذا له حضوره في قصائد درويش
، إذ أنه
أي حضور الذات سمة مميزة للشعر
الغنائي ، لا أن ما هو مستغرب هو شعور الشاعر بأنه إله جديد ، صاحب سلطة ما
وإن كانت هنا سلطة
شعرية
تشعره بأنه الأساس ، تماما كما يشعر الملك
أو الرئيس في دول العالم الثالث بأنه الآله الوحيد في مملكته وعلى الجميع أن يدور
في فلكه .



لقد
استعار درويش في إحدى قصائده ، المتنبي قناعا ليعبر من خلاله عن الأوضاع في العالم
العربي وموقفه من الأنظمة الحاكمة فيها وقال :




هذا هو العبد الأمير




وهذه الناس الجياع




والقرمطي أنا ، أبيع القصر أغنية




وأهدمه بأغنية




وأسند قامتي بالريح والروح الجريح




ولا أباع .(48)




ونأمل أن يكون درويش ، الذي كانت أشعاره جزءا من ثقافة صاغت وعينا ،وما زالت ،
كذلك ليشكل حجرا آخر في بنياننا الشعري الذي أرسى عبد الرحيم محمود وغسان كنفاني
قواعده ، يوم التزما بما كتبا .










الهوامش


1) الاتحاد ، الملحق الأسبوعي ، ص 5 ,
وأجرى الحوار صبحي الحديدي وبشير البكر.



2) الأسطة ، دراسات ، ص75، 76 .


3) درويش ، في وصف مقالة " صباح
الخير يا ماجد " ص 91 تحديدا . وسئل درويش، وهو في فنلندا ، عن علاقته الخاصة
بالأندلس وفيما إذا يمكن القول إن فلسطين هي أندلس أخرى فأجاب :




" بصراحة أنا لا أعرف الأندلس .أنا أعرف الأندلس في قلبي ، والأندلس بالنسبة
لي هي ذاكرة جمالية وليست ملكية حقوقية ،والأندلس أيضا هي أحد الأبعاد التي
استعملها في التعبير عن حلمي . كل شاعر في العالم في داخله شيء ضائع مفقود ، أو
باختصار كل شاعر عنده أندلسه الخاصة ، وهذا ما يفسر حزن الشاعر وتأرجحه ما بين ماض
ومستقبل .




" هي أندلس من حيث أنها تشكل طفولتنا وأيضا تشكل حلمنا ، ولكن فلسطين أندلس
ممكن الاستعادة
……"



( انظر :محمود درويش ، في انتظار البرابرة . وكالة أبو عرفة للصحافة والنشر ،
القدس ، 1987. ص 80 )




وتقرأ أيضا في قصيدته " مديح الظل العالي " ما يدلل على أن الشاعر يربط
بوعي أو دون وعي ، بين الأندلس وفلسطين ، ويرى في الأخيرة ما يشبه الأولى :




"وطني حقيبة




من جلد أحبابي



[font:715c="
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
محمود درويش--------ظواهر سلبية في مسيرته الشعرية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عن محمود درويش
» محمود درويش
» جدارية محمود درويش
» قراءة في جدارية محمود درويش
» الصورة الفنية في شعر محمود درويش

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: -,.-~*'¨¯¨'*·~-.¸¤~°*¤ô§ô¤*~( مـــنــتديــات الــــــمــواد الـــدراســـيــة )~*¤ô§ô¤*°~¤,.-~*'¨¯¨'*·~-.¸- :: منتدى مواد اللغة العربية-
انتقل الى: